هل يجب للعملة الخليجية الموحدة أن ترى النور؟
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
هل يجب للعملة الخليجية الموحدة أن ترى النور؟
هل يجب للعملة الخليجية الموحدة أن ترى النور؟
د. محمد محمود شمس *
توحيد العملة يعني أن جميع البنوك المركزية لدول المجلس ستتوحد في بنك مركزي واحد يتبع سياسة نقدية مستقلة بمعزل عن السياسات المالية للدول الأعضاء، وهو ما يتطلب بالضرورة إصدار سعر فائدة موحد يتناسب اقتصاديا مع معدلات التضخم بالدول الأعضاء، إضافة إلى إصدار سعر صرف ثابت مرتبط بالدولار أو بسلة من العملات أو سعر صرف عائم يتغير بتغير العوامل الاقتصادية المحلية والإقليمية والعالمية مثل أسعار الفائدة والطلب على الصادرات.
والعملة النقدية ستصدر لأية دولة من البنك المركزي الذي يسمى «بنك البنوك» لأنه يسيطر على السياسة النقدية، ويقع على عاتقه مسؤوليات اقتصادية ضخمة، يؤدي التهاون فيها إلى كارثة اقتصادية عظيمة وخسارة مالية لجميع فئات المجتمع. لذا تحدد السياسة النقدية حجم العملات النقدية الورقية والفضية المتداولة (عرض النقود)، وذلك على ضوء قيمة السلع والخدمات التي ينتجها الاقتصاد الوطني أو بما يسمى بالناتج الوطني، فأسعار السلع والخدمات ترتفع إذا أصدر البنك المركزي كميات من النقود يفوق حجمها حجم الناتج الوطني، لأن ما يملكه المستهلكون من مال يفوق على ما ينتجه الاقتصاد من سلع وخدمات. وبذلك يكون البنك المركزي خلق سيولة نقدية عالية في أيدي الناس في وضع اقتصادي، يقل فيه حجم السلع والخدمات المتاحة. هذا وقد حدث ذلك في الطفرة الاقتصادية الخليجية الأولى والثانية، عندما تدفقت على دول الخليج أنهار من إيرادات النفط التي لم تجد السلع والخدمات الكافية لشرائها، فارتفعت الأسعار إلى مستويات خيالية. لذلك من أهم مهام البنك المركزي هو الحفاظ على استقرار أسعار السلع والخدمات وتجنب حدوث تضخم في أسعار السلع والخدمات حتى لا يسبب خسارة للمصانع والمزارع والمتاجر فينكمش إنتاجها ويطرد عمالها وموظفوها، وينتاب الاقتصاد الوطني بطالة وتدن في نشاطاته الاقتصادية.
وبعودة مجددة نحو العملة الخليجية الموحدة بعد هذه التوطئة، لا بد أن أؤكد هنا أن نجاح العملة الموحدة، المشروع الخليجي الكبير، لن يتم من دون توفر عدد من الشروط أهمها وجود تجانس بين الدورات الاقتصادية (الانتعاش والركود) لكل دول العملة، حيث انتعاش اقتصاد دولة قد يتأثر بانكماش اقتصاد دولة أخرى حين اتخاذ قرار تحديد سعر الفائدة. وقد واجهت دول اليورو مشكلة عدم تجانس دوراتها الاقتصادية فآيرلندا مثلا تمتعت بنمو اقتصادي جيد في 2005، بينما ألمانيا وإيطاليا وفرنسا أصيبت بركود اقتصادي، فكان من الصعب على البنك المركزي الأوروبي إعداد سياسة نقدية تلائم هذه الدورات الاقتصادية المختلفة. والتحفظ الأساسي لإنجلترا في عدم دخول منطقة اليورو، هو عدم تناسق الدورة الاقتصادية لها مع اقتصاديات دول اليورو.
وهنا لا بد على الجهات المالية في دول منطقة الخليج، اختيار السياسة النقدية المرنة التي لا تؤدي إلى زيادة شديدة بالنمو الاقتصادي وبالتالي تزيد من حدة التضخم في أحد الدول أو تؤدي إلى انكماش اقتصادي في دولة أخرى. كما يجب على دول المنطقة، إدراك أن هناك جملة من النقاط السلبية في قيام العملة النقدية الموحدة، منها الحد من حرية اتخاذ القرارات الاقتصادية المستقلة، مثل الاقتراض الحكومي من البنوك والشركات وغيرها من القرارات السياسات النقدية والمالية، وكذلك السياسات الصناعية والزراعية، وخلق تكاليف باهظة على الشركات نتيجة تغيير الأنظمة المحاسبية.
دول مجلس التعاون الخليجي تمر حاليا بمتغيرات اقتصادية وسياسية واجتماعية عديدة، سينتج عنها تطورات اقتصادية بالناتج الوطني وبميزان المدفوعات وبالمؤشرات الرئيسة مثل معدلي التضخم والبطالة وحجم الدين العام، وكذلك بسوقي العمل والأسهم. إضافة إلى ذلك فهناك التطورات التعليمية الجارية بالمناهج الدراسية والتطورات الاجتماعية، مثل تفعيل دور المرأة. هذا بجانب التطورات العالمية والإقليمية المستمرة التي قد ينعكس آثارها على السياسات الاقتصادية لدول المجلس مثل التغيرات المستمرة بأسعار البترول العالمية، وظهور شبح بدائل الطاقة على المستوى العالمي وامتلاك إيران للسلاح النووي. يأتي ذلك ودول المجلس ما زالت تعاني بشدة من عدم توفر المعلومات والبيانات الاقتصادية الدقيقة والأزمة لاتخاذ القرارات الاقتصادية الاستراتيجية، مثل قرار تحديد سعر الفائدة الموحد على ضوء معدلات التضخم في دول المجلس الأمر، الذي يعيق اتخاذ القرار المناسب. إنه من أهم ما يمكن قوله عن العملة النقدية الموحدة، هو ضرورة وجود نظام مصرفي قوى ومرن، يعمل على تفعيل قرارات السياسة النقدية الموحدة بالقطاعات الاقتصادية المختلفة، وهذا للأسف غائب في الأنظمة المصرفية الخليجية. لذلك فإنه من الحكمة التروي ودراسة الأمر باستفاضة دقيقة علمية وعملية، حتى يتم اتخاذ قرار توحيد أو عدم توحيد العملة برؤية سياسية واقتصادية واضحة، تفيد جميع الدول الأعضاء. إن فشل سياسة توحيد العملة سيكون له الأثر الاقتصادي والسياسي السلبي على شعوب واقتصاديات المنطقة.
* رئيس مركز استشارات الجدوى الاقتصادية والإدار
د. محمد محمود شمس *
توحيد العملة يعني أن جميع البنوك المركزية لدول المجلس ستتوحد في بنك مركزي واحد يتبع سياسة نقدية مستقلة بمعزل عن السياسات المالية للدول الأعضاء، وهو ما يتطلب بالضرورة إصدار سعر فائدة موحد يتناسب اقتصاديا مع معدلات التضخم بالدول الأعضاء، إضافة إلى إصدار سعر صرف ثابت مرتبط بالدولار أو بسلة من العملات أو سعر صرف عائم يتغير بتغير العوامل الاقتصادية المحلية والإقليمية والعالمية مثل أسعار الفائدة والطلب على الصادرات.
والعملة النقدية ستصدر لأية دولة من البنك المركزي الذي يسمى «بنك البنوك» لأنه يسيطر على السياسة النقدية، ويقع على عاتقه مسؤوليات اقتصادية ضخمة، يؤدي التهاون فيها إلى كارثة اقتصادية عظيمة وخسارة مالية لجميع فئات المجتمع. لذا تحدد السياسة النقدية حجم العملات النقدية الورقية والفضية المتداولة (عرض النقود)، وذلك على ضوء قيمة السلع والخدمات التي ينتجها الاقتصاد الوطني أو بما يسمى بالناتج الوطني، فأسعار السلع والخدمات ترتفع إذا أصدر البنك المركزي كميات من النقود يفوق حجمها حجم الناتج الوطني، لأن ما يملكه المستهلكون من مال يفوق على ما ينتجه الاقتصاد من سلع وخدمات. وبذلك يكون البنك المركزي خلق سيولة نقدية عالية في أيدي الناس في وضع اقتصادي، يقل فيه حجم السلع والخدمات المتاحة. هذا وقد حدث ذلك في الطفرة الاقتصادية الخليجية الأولى والثانية، عندما تدفقت على دول الخليج أنهار من إيرادات النفط التي لم تجد السلع والخدمات الكافية لشرائها، فارتفعت الأسعار إلى مستويات خيالية. لذلك من أهم مهام البنك المركزي هو الحفاظ على استقرار أسعار السلع والخدمات وتجنب حدوث تضخم في أسعار السلع والخدمات حتى لا يسبب خسارة للمصانع والمزارع والمتاجر فينكمش إنتاجها ويطرد عمالها وموظفوها، وينتاب الاقتصاد الوطني بطالة وتدن في نشاطاته الاقتصادية.
وبعودة مجددة نحو العملة الخليجية الموحدة بعد هذه التوطئة، لا بد أن أؤكد هنا أن نجاح العملة الموحدة، المشروع الخليجي الكبير، لن يتم من دون توفر عدد من الشروط أهمها وجود تجانس بين الدورات الاقتصادية (الانتعاش والركود) لكل دول العملة، حيث انتعاش اقتصاد دولة قد يتأثر بانكماش اقتصاد دولة أخرى حين اتخاذ قرار تحديد سعر الفائدة. وقد واجهت دول اليورو مشكلة عدم تجانس دوراتها الاقتصادية فآيرلندا مثلا تمتعت بنمو اقتصادي جيد في 2005، بينما ألمانيا وإيطاليا وفرنسا أصيبت بركود اقتصادي، فكان من الصعب على البنك المركزي الأوروبي إعداد سياسة نقدية تلائم هذه الدورات الاقتصادية المختلفة. والتحفظ الأساسي لإنجلترا في عدم دخول منطقة اليورو، هو عدم تناسق الدورة الاقتصادية لها مع اقتصاديات دول اليورو.
وهنا لا بد على الجهات المالية في دول منطقة الخليج، اختيار السياسة النقدية المرنة التي لا تؤدي إلى زيادة شديدة بالنمو الاقتصادي وبالتالي تزيد من حدة التضخم في أحد الدول أو تؤدي إلى انكماش اقتصادي في دولة أخرى. كما يجب على دول المنطقة، إدراك أن هناك جملة من النقاط السلبية في قيام العملة النقدية الموحدة، منها الحد من حرية اتخاذ القرارات الاقتصادية المستقلة، مثل الاقتراض الحكومي من البنوك والشركات وغيرها من القرارات السياسات النقدية والمالية، وكذلك السياسات الصناعية والزراعية، وخلق تكاليف باهظة على الشركات نتيجة تغيير الأنظمة المحاسبية.
دول مجلس التعاون الخليجي تمر حاليا بمتغيرات اقتصادية وسياسية واجتماعية عديدة، سينتج عنها تطورات اقتصادية بالناتج الوطني وبميزان المدفوعات وبالمؤشرات الرئيسة مثل معدلي التضخم والبطالة وحجم الدين العام، وكذلك بسوقي العمل والأسهم. إضافة إلى ذلك فهناك التطورات التعليمية الجارية بالمناهج الدراسية والتطورات الاجتماعية، مثل تفعيل دور المرأة. هذا بجانب التطورات العالمية والإقليمية المستمرة التي قد ينعكس آثارها على السياسات الاقتصادية لدول المجلس مثل التغيرات المستمرة بأسعار البترول العالمية، وظهور شبح بدائل الطاقة على المستوى العالمي وامتلاك إيران للسلاح النووي. يأتي ذلك ودول المجلس ما زالت تعاني بشدة من عدم توفر المعلومات والبيانات الاقتصادية الدقيقة والأزمة لاتخاذ القرارات الاقتصادية الاستراتيجية، مثل قرار تحديد سعر الفائدة الموحد على ضوء معدلات التضخم في دول المجلس الأمر، الذي يعيق اتخاذ القرار المناسب. إنه من أهم ما يمكن قوله عن العملة النقدية الموحدة، هو ضرورة وجود نظام مصرفي قوى ومرن، يعمل على تفعيل قرارات السياسة النقدية الموحدة بالقطاعات الاقتصادية المختلفة، وهذا للأسف غائب في الأنظمة المصرفية الخليجية. لذلك فإنه من الحكمة التروي ودراسة الأمر باستفاضة دقيقة علمية وعملية، حتى يتم اتخاذ قرار توحيد أو عدم توحيد العملة برؤية سياسية واقتصادية واضحة، تفيد جميع الدول الأعضاء. إن فشل سياسة توحيد العملة سيكون له الأثر الاقتصادي والسياسي السلبي على شعوب واقتصاديات المنطقة.
* رئيس مركز استشارات الجدوى الاقتصادية والإدار
assen_abdo- مشرف
- عدد الرسائل : 99
تاريخ التسجيل : 13/11/2006
رد: هل يجب للعملة الخليجية الموحدة أن ترى النور؟
بارك الله فيك على المعلومات
ابو عبد العزيز- مشرف
- عدد الرسائل : 1972
العمر : 39
المكان : المملكة العربية السعودية
المهنة : {{طالب علم}}
الهواية : نشر اللإسلام
تاريخ التسجيل : 16/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى