رحيل الجذور

من طرف **فارس الكتائب** 06.04.07 0:45

عندما أفكر مليا في الأمر أجد انه من غير العادي أبدا أن أكون تعرضت لهذا الكم الفاجع من حالات الفقد و لم أتعود بعد على الوقوف بثبات عند لحظات الوداع...

أغلب الذين ودعتهم ذهبوا مغدورين...استهدفتهم رصاصات حاقدة و أخرى بلهاء جاهلة...

البعض الآخر أتى عليه المرض العضال...بابا...والدي الروحي... و الآن عمي.
طبعا أنا يقيني أن الأعمار بيد الله وحده و أن لا أحد يذهب قبل استيفاء أجله...

لكن تقارير الطب تقول أن عمي يعيش أيامه الأخيرة و أن المرض تغلغل عميقا في أنسجة جسمه الراقد على الفراش...
مكمن الطعنة في قلبي أن أقف عاجزة تماما و أحيانا كثيرة تتملكني حالات جبن و أفكر في عدم الذهاب لزيارته...

لكن شيئا ما يتحرك في قلبي ساعتها و يعطيني دفعا قويا ربما كانت تلك عاطفة البنوة...أو ربما كانت تلك العلاقة المميزة جدا مع عمي...
عمي هذا شخصية جزائرية قحة...شدة و صلابة و توتر متوثب قابل للانفجار في أي لحظة و طبعا في الداخل يرقد حنان لا حدود له و طيبة و روح متفانية...
كل أبناء عمومتي يكنون الاحترام و التبجيل...
ربما كنت الوحيدة بينهم التي كان يسمح لها بالاقتراب و المفارقة أنني كنت فتاة..كان حديثه معي يتجاوز حدود السؤال عن الأحوال إلى الحديث في شؤون كثيرة...
عندما أذهب إليه و ما إن تقول زوجته جاء أبناء إخوتك...و جاءت سهيلة ...يخرج قليلا من شبه غيبوبته و ما إن يفتح عينيه حتى اسرع نحوه اقبل جبينه و ظاهر يده فيمسك بيدي و يستبقيها عندي...أسأله عن حاله فأفهمك انه يجمد الله..
أجلس أمامه و يدي في يده و أقرا في سري آية الكرسي و خواتيم البقرة و بعضا من ياسين بينما يروح الحاضرون من أبناء عمومتي في أحاديث شتى و يروح عمي في غيبوبته من جديد.

أروح أنا بدوري في رحلة مع الذكريات الحزينة ...أتذكر بابا...كنت خلال رحلة مرضه الأخيرة أعمل و ادرس بالجامعة و كنت كثيرة الغياب عن البيت و كان ـ رحمه الله ـ يسأل عني أكثر من مرة..و عندما أعود في المساء أتعرض لنفس "قبضة الحنان" تلك....
و في الواقع أنا لا اعلم إن كانت قبضة حنان...أم تراه تمسك الغريق بقشة...ام أنها وصية ما أنا لم أدرك رموزها بعد؟
مهما يكن الأمر...أسألكم الدعاء لعمي بأن يخفف عنه و أن يثبته
__________________منقول..............