الغارة على العقل العربي

من طرف **الفرس الأبيض** 29.05.07 17:05

الغارة على العقل العربي

من يدرس التاريخ الاستعماري لتغييب العقل العربي المسلم ، ويدرس الأحداث السياسية والاقتصادية والتربوية والعلمية والإعلامية الدائرة على الساحة العالمية والساحة العربية والإسلامية وخاصة في البلاد العربية هذه الأيام يرى أن الغارة على العقل العربي المسلم قد انتقلت من أيدي المستعمرين إلى أيدي المسلمين أنفسهم .

فقد عمد الاستعمار بعد فشله في الحروب العسكرية الصليبية ، عمد إلى تغييب العقل المسلم اتباعاً لوصية لويس التاسع التي وضعها بعد هزيمته في معركة المنصورة وسار عليها نابليون ، ودنلوب وأعوانهما من العملاء في ديارنا الإسلامية ، وكان من نتائج هذه السياسة والمخططات الصليبية إن تخلفنا سياسياً ، وغاب العدل والحرية من حياتنا ، وتخلفنا اقتصادياً واصبحنا نأكل من أيدي أعدائنا ونلبس من انتاج مصانعهم ونركب سياراتهم وننام على فرش من انتاجهم . وتخلفنا تربوياً وتحول التعليم في حياتنا إلى مكرورات ومصمومات ، ومن تفوق منا لم يجد له مجالاً في ديارنا فهاجر إلى ديار العدو ، ومن رفض الهجرة إليهم قتلوه واغتالوه وتخلفنا عسكرياً واعلامياً .

وشاء الله أن نفيق بعد زوال الاستعمار العسكري فكانت الصحوة الإسلامية في المجالات السياسية والاقتصادية والتربوية والعلمية فنادينا بالعدل والمساواة والعودة إلى الجذور التربوية والعلمية والإسلامية ومحاولة تخليص الأمة من التربية الدنلوبية .

ولكن للاسف انتقلت الغارة من أعداء الأمة إلى جهلائها وعملائها فكانت الغارة الذاتية لتدميرالعقل المسلم ، ولهذه الغارة العديد من الظواهر والاساليب والاستراتيجيات من أهمها :

انتشار برامج النجوم والطالع والبروج والتنويم المغناطيسي ، وتفسير الأحلام وإفراد ساعات طوال في الفضائيات العربية لمثل هذه الجهالات في محاولة لتغييب العقل المسلم ، ففي الوقت الذي يستغل العقل الصهيوني النجوم والفضاء الخارجي للتجسس على البلاد الإسلامية ننغمس نحن في البروج والطالع وهذا من أهم أهداف الغارة الداخلية على العقل العربي والمسلم .

وانتشار كتب وفتاوي وبرامج الجن والسحر والشعوذة ، حتى أصبح لهذه المغيبات أساتذة ومنتفعون ورواد وهذه يعيدنا إلى الأيام السابقة على حرب 1967م ، حينما استخدم بعض العسكريين السحرة والمشعوذين والدجالين لاستخدام الجن في التجسس على إسرائيل ومعرفة خططها الحربية والعسكرية في الوقت الذي زرعت فيه إسرائيل الجواسيس البشرية في مكاتب القيادات العسكرية وفي زيارات بعض الجبهات العربية كما حدث مع الجاسوس إيلي كوهين ( كامل أمين ثابتا ) وكانت النتيجة كما نعلم في حرب 1967م .

وانتشار الدعوة إلى محاربة العدو بالدعاء والتركيز على العبادات والدعوات غير المقترنة بالعمل ، ففي الوقت الذي يدعونا فيه الله أن نعد للعدو العدة { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } [الأنفال : 60] .

ننادي كل يوم بأعلى أصواتنا اللهم عليك بأعدائنا ، زلزل الأرض من تحت أقدامهم ، ونسي هؤلاء أن الله لا يستجيب دعاء من عصاه ولم يعد العدة للجهاد في سبيل الله ، هذه قمة التغييب للعقل المسلم .

وعودة المنحى الصوفي المغيب للمسلمين عن ساحة الأحداث وواقعها ولكنها هذه الأيام صوفية بالدليل الصحيح وبتفسير أهل التغييب للعقل المسلم ومن هنا خرجت بعض الفتاوي المحرمة للعمليات الجهادية الاستشهادية وبعض الفتاوي المحرمة للمقاطعة الاقتصادية للعدو ، والفتاوي المخرجة للمجاهدين من الإسلام وتكفيرهم .

وانتشار فتاوي التركيز على الظاهر والمظاهر والتركيز على معالجة الأمراض والخلافات الثانوية وترك الأسباب الحقيقية لأمراض الأمة من ضياع للخلافة الإسلامية ، والوحدة الإسلامية ، والقوة الإسلامية فأخذ القذع مساحات كبيرة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وانتشرت مطويات أحكام الجنائز ، والحسد وقص الشوارب ، وتقصير الثياب وغير ذلك من المعارك الثانوية وترك المعارك الحقيقية من جهاد للعدو ، والتقدم العلمي والتقني ، والتخلف العام للمسلمين .

وانتشار مسابقات القمار الجماعية وأرباح الملايين دون جهد أو عمل بل بمجرد الاتصال ببعض الأرقام التليفونية .

سيادة مناهج التربية والتعليم المؤكدة للحفظ والصم والاستظهار وأساليب التقويم التي تقيس كم المعلومات والملخصات والمتون حتى غدا العقل المسلم بعيداً عن التفكير والإبداع والتطبيق .

وتحويل البحث العلمي عن هدقه العلمي والنهوض بالأمة علمياً وتقنياً تحويله إلى استبانات واستطلاعات للرأي ، وبحوث تنشر للترقية العلمية بعيداً عن التطبيق وحل المشكلات الميدانية في مجالات الحياة المختلفة .

وتحويل الندوات والمؤتمرات وورش العمل إلى توصيات ورقية لا تطبق ولا يتم متابعتها .

كل هذا وغيره الكثير يحدث بأيدينا بعدما قمنا بدور العدو المستعمر وقمنا نحن بدور الغارة على العقل المسلم لتدميره والقضاء عليه .

د . نظمي خليل أبو العطا

أخبار الخليج